د. خليل أبو ذياب
يعدّ فن القصة القصيرة من أحدث الفنون الأدبية الإبداعية حيث لا يجاوز ميلادها قرنا ونصف قرن من الزمان، حتى إن الدارسين والنقاد يعتبرونه مولود القرن العشرين؛ بل إن مصطلح "القصة القصيرة" لم يتحدد كمفهوم أدبي إلا عام 1933 في قاموس أكسفورد.
وقد كان من أبرز المبدعين لهذا الفن الحادث "ادجار ألان بو الأمريكى" و"جودى موباسان الفرنسى" و"جوجول الروسى" الذي يعدّه النقاد أبا القصة الحديثة بكل تقنياتها ومظاهرها، وفيه يقول مكسيم جوركى: "لقد خرجنا من تحت معطف جوجول".
ومن هنا فالقصة القصيرة بتقنياتها الحديثة وأسسها الجمالية وخصائصها الإبداعية المميزة وسماتها الفنية لم يكن لها في مطلع القرن العشرين شأن يذكر على الإطلاق.
وقد كان وراء انتشار هذا الفن الجديد وشيوعه عالميا وعربيا طائفة من الدوافع والعوامل، من أبرزها انتشار التعليم وانتشار الديموقراطية وتحرير عبيد الأرض من سلطان الإقطاع وثورة الطبقة الوسطى وطبقة الـعمال والفلاحين، كذلك بروز دور المرأة في المجتمع وإسهامها في مجالات الحياة والميادين الاجتماعية والسياسية والفكرية والفنية، وما شهد العصر من تـطور علمي وفكري وحضاري وصناعي كما لعبت الصحافة دورا مهما في رواج هذا الفن ونشره، كما لا يخفي دور المطبعة وانتشار الطباعة في ازدهارها..ونتيجة لكل ذلك "أصبحت القصة القصيرة من مـستلزمات العصر الحديث لا يضيق بها، بل يتطلب رواجها بانتشارها وكثرة المشتغلين بتأليفها لأنها تناسب قلقه وحياته المتعجلة وتعبر عن آلامه وآماله وتجاربه ولحظاته وتأملاته".
وهكذا بدأ فن القصة القصيرة في الظهور والانتشار في الأقطار العربية على ما بينها من تفاوت ما بين خمسينيات القرن الماضي وستينياته نتيجة لمجموعة من العوامل الحضارية التي شهدتها المنطقة بعد التغير الاجتماعى الواسع في أنماط الوجود بها، وتبدّل طبيعة الحياة الاجتماعية فيها عقب اكتشاف النفط خاصة، وبعد دخول المطبعة وظهور الصحيفة وتغير طبيعة النظام التعليمي وظهور جمهور جديد من القراء ذي احتياجات ثقافية جديدة، وغير ذلك من العوامل التي ساهمت في ميلاد القصة القصيرة في المشرق العربي.
فكاهات!
وقد كان للنقد موقف خاص متميز من القصة القصيرة ربما كان وراء تأخر انتشارها وشيوعها في الحياة الأدبية، وهذا الموقف صنعه موقف الناس من القصة والقاصّ على حد سواء، حيث كانوا يعدون القصة عامة، والقصة القصيرة خاصة شيئا يتلهى به الإنسان في أوقات الفراغ كما كانوا يعدونّ كاتب القصة متطفلاً على موائد الأدب لا يستحق أكثر من الإهـمال والاحتقار؛ مما جعل كتّابها ينشرونها في الصحف والمجلات تحت عنوان "فكاهات"، كما دفع هذا الموقف بعض القصّاص إلى عدم ذكر أسـمائهم على رواياتهم التي يبدعونها على نحو ما صنع "محمد حسين هيكل" في رواية "زينب" عندما مهرها بـ "فلاح مصري".
وطبيعي أن يكون لمثل هذا الموقف من القصة والقصة القصيرة خاصة أثر بالغ في انحسار تيارها وتأخر انتشارها في الحياة الأدبية العربية لتحل المترجمات التي أخذت تشيع آنذاك محل المبدعات، حيث كان أكثر ما يقدم لجمهور القراء منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى أواخر الثلث الأول من القرن العشرين هو من قبيل الترجمة والاقتباس، حتى جمع أمين دار الكتب في بيروت لها معجما أثبت فيه نحو عشرة آلاف قصة مترجمة من مختلف اللغات؛ وهذا يؤكد أن ظهور الـقصة القصيرة وفن القصص عامة والمسرحيات إنما كان عن طريق معرفة الآداب الغربية في أعقاب الاحتكاك الثقافي والفكري والأدبي الذي حققته النهضة الحديثة التي اجتاحت العالم العربي في هذا العصر الحديث.
القصة تزاحم الشعر
وعلى الرغم من قصر عمر القصة القصيرة ـ هذا اللون الأدبي المبدع ـفإن شهرتها وشدة اعتناء الأدباء والنقاد بها وحرصهم على إبداعها جعلها بصورة من الصور تزاحم وتنافس الشعر الذي يعدّ أهمّ الأنماط الأدبية الإبداعية على طول تاريخها الفسيح لتحقّق لها شعبية واسعة.
وتكمن أهمية القصة القصيرة في أنها شكل أدبي فني قادر على طرح أعقد الرؤى وأخصب القضايا والقراءات، ذاتية وغيرية ونفسية واجتماعية، وبصورة دقيقة واعية من خلال علاقة الحدث بالواقع وما ينجم عنه من صراع، وما تمتاز به من تركيز وتكثيف في استخدام الدلالات اللغوية المناسبة لطبيعة الحدث وأحوال الشخصية وخصائص القص وحركية الحوار والسرد ومظاهر الخيال والحقيقة، وغير ذلك من القضايا التي تتوغل هذا الفن الأدبي المتميز.
تعريف القصة القصيرة
لعلنا لا نجاوز الحقيقة عندما نزعم أن عدم وجود تعريف محدد لمصطلح "القصة القصيرة" هو أهم الأسباب التي أوجدت الاختلاط بين القصة الـقصيرة وغيرها من الأنماط الأدبية، مما يدفعنا إلى ضرورة تحديد مفهومها، أو تعريفها تعريفا محددا يجعلها فنّا أدبيا خاصا متميزا عن غيره من فنون الأدب.
وبرغم ما يلقانا من تعريفات النقاد والدارسين للقصة القصيرة فـإننا نود أن نختار منها ما يذهب إلى أن القصة القصيرة المحكمة هي:
سلسلة مـن المشاهد الموصوفة، تنشأ خلالها حالة مسبّبة تتطلّب شخصية حاسمة ذات صفة مسيطرة تحاول أن تحلّ نوعا من المشكلة من خلال بعض الأحداث التي تتعرض لبعض العوائق والتصعيدات/ العقدة، حتى تصل إلى نتيجة / قرار تلك الشخصية النهائي فيما يعرف بلحظة التنوير أو الحل في أسلوب يمتاز بالتركيز والتكثيف الدلالي دون أن يكون للبعد الكمي فيها كبير شأن.
وواضح أن هذا التعريف يحدد الحدث الجزئي الذي تقوم عليه القصة القصيرة وما يتصل به من تطور وتنام تقوم به الشخصية الحاسمة ـ وربما الوحيدة ـ فيها عبر إطار محدد من الزمان والمكان؛ وكلما كانت هذه العناصر محددة وضيقة كانت أدنى إلى حقيقة القصة القصيرة ومفهومها الفني/ تقنياتها.. وهكذا تتولد القصة القصيرة من رحم الحدث كما يتولد الحلم، ويتنامى كما تتنامى الشرنقة أو اللؤلؤة في قلب المحارة..
بيد أن النقاد ومبدعي هذا الفن لم يحرصوا على التزام هاتيك الـخصائص الفنية مما جعلها تختلط اختلاطا واسعا بغيرها من الأنواع الأدبية فضاعت معالمها وفقدت خصائصها الفنية وأصيبت بدرجة كبيرة واسعة من التميّع والانصهار..فقد اختلطت القصة القصيرة بكثير من الأنماط الأدبية سواء منها ما يرتبط بها ببعض الوشائج المتمثلة في خصائصها الأسلوبية وعناصرها الفنية، وما لا يرتبط بشيء من ذلك ألبتّة؛ فقد خلط بعض النقاد بين القصة القصيرة وبين الرواية القصيرة عندما نظروا إليها من زاوية الطول والحجم، بعيدا عن التقنيات الفنية والخصائص المميزة، متناسين أو ناسين أن قضية الطول والحجم في القصة القصيرة لا ينبغي أن ينظر إليها إلاّ من خلال ما تقتضيه الأحداث والحبكة والشخصيات دون تحديد كمّي كما ذهب إليه كثير من النقاد.
وقد بلغ ذلك الخلط حدّا جعل بعض النقاد لا يولى قضية الحبكة في القصة القصيرة أي اهتمام، حتى إنه لا يشترطها فيها. ومثل هذا الأمر يفضي إلـى تميع هذا الفن وعدم تحديد ضوابطه وقواعده وأصوله للفنية، كما يفضي بالتالي إلى إهماله وعدم العناية به، أو على الأقل التخلص من مصطلحه الفني. ولعلنا لا نعدو الحقيقة إذا زعمنا أن انحطاط مستوى هذا الفن الممتع يرجع إلى عدم تحديد أبعاد مصطلحه الفني تحديدا ينفي عنه التعدد والتنوع والتميع، ولو اتخذت القصة القصيرة لها مصطلحاذا منهج محدد من حيث الشكل والبناء والحدث والشخصية وتطورها وأبعادها والحبكة والسرد والـحوار لحظيت باهتمام أكبر وتقدير أعظم، ولحققت من الإبداع والمكانة مـا تصبو إليه. ومن هنا ينبغي أن يحكم على القصة القصيرة وينظر إليها من هذه الزاوية، وبمقدار توافر هذه التقنيات الفنية بحيث ينفي عنها كل ما يخالفها من ألوان الإبداع الأدبي.
وقد وفق د/ أحمد يوسف عندما وصّف القصة القصيرة بأنها أقرب الفنون إلى الشعر؛ لاعتمادها على تصوير لمحة دالّة في الزمان والمكان، ومن شأن هذا التصوير التركيز في البناء والتكثيف في الدلالة، وهما سمتان جوهريتان في العمل الشعري؛ ومن هنا لا ننتظر من كاتب القصة القصيرة أن يقدم الشخصية بأبعادها المعروفة في الفن الدرامي، بل ننتظر منه دائما أن يقدمها متفاعلة مع زمانها ومكانها، صانعة حدثا يحمل طابع الدلالة الشعرية، وهو طابع قابل لتعدد المستويات، ومن ثم التأويلات، وبالطبع لا تجسّد ذلك كله إلاّ من خلال لغة تعتمد الصورة وسلتها الأولى والأخيرة.
ومن هنا فكثيرا ما يغفل متعاطو فن القصة القصيرة عن أبرز مواصفاتها أو شروطها الفنية فيما يتعلق بالحدث والشخصية والحبكة والزمان والمكان، وهى أهم العناصر الرئيسة المكونة لفن القصّ عموما، ويخيل للـكثيرين منهم أن شرط القصة القصيرة / الأقصوصة - الرئيس هو محدودية الحجم أو الطول محدودية الكلمات أو الأوراق مهما تعددت الأحداث وتنوعت الشخوص وتبدلت الأزمنة والأمكنة..
وبعبارة أخرى يمكن في نظر هؤلاء أن تكون القصة القصيرة تلخيصا موجزا لأحـداث رواية طويلة أو حتى مسلسلة بالغة الطول مما تطلع به علينا أجهزة البث الفضائي في هذه الأيام، ما دامت تسكب في بضع أوراق وتصاغ من بضعة مئات من الكلمات، مما يدفعنا دفعا إلى أن ننبّه مرة أخرى إلى أن أبرز مـقومات القصة القصيرة الفنية: أنها تتناول حدثا محدودا جدا، أو لمحة خاطفة ذات دلاله فكرية أو نفسية وقعت في إطار محدود كذلك من الزمان والمكان، يرصدها القاصّ رصدا تتطور فيه الأبعاد وتتمحور في داخل الشخصية الحاسمة لتبلغ ما يعرف بالعقدة، ثم تأتى لحظة التنوير أو الحل لإشكالية الصراع أو تطور الحدث فيها. ومن هنا كان فن القصة القصيرة في نظرنا من أشقّ الفنون الأدبية وأصعبها؛ لما تتطلبه من مهارة واقتدار وسيطرة عـلى كافة الخيوط التي تشكلها. وقد لا يشركها في هذه الصعوبة بشكل متميز غير القصيدة الشعرية.
علاقاتها بالأنماط الأخرى
ومن كل هذا بان من الضروري في بحث القصة القصيرة/ الأقصوصة وتقنياتها الفنية وجمالياتها تحديد مفهومات الأنماط الأدبية الإبداعية المرتبطة بواشجة قويه بفن القصة القصيرة في محاولة جادة لتضييق شقة الخلاف وتقريب وجهات النظر المتباينة فيها.
أما أهم الفنون الأدبية المرتبطة بالقصة القصيرة/ الأقصوصة ارتباطا وثيقا فهي: الحكاية والمقامة والخبر والرواية القصيرة والرواية الطويلة والمسرحية والملحمة. وهذه الأنماط يربط بينها الاشتراك العام في البناء الحدثي والشخوصي والحبكة والحوار والسرد والعقدة والحل/ لحظة التنوير والزمان والمكان. وربما هذا الاشتراك الواسع والعميق بين هاتيك الألوان الأدبية الإبداعية هو سرّ التداخل الكبير فيما بينها وما ينجم عنه من اختلاط كان مدعاة إلى تحقيق الفصل أوفكّ الارتباط بينها على هذا النحو الآتى:
أما القصة القصيرة/ الأقصوصة
هما مصطلحان لنوع أدبي واحد ينبغي أن يقوم على أقل ما يمكن من الأحداث/ حدث واحد يتنامي عبر شخصيات محدودة أو شخصية واحدة حاسمة، وفي إطار محدود جداً من الزمان والمكان حتى يبلغ الصراع ذروته عند تأزم الموقف وتعقيده لتأتى من ثمّ لحظة التنوير المناسبة معزولة عن المصادفة والافتعال دون اشتراط الحجم أو الطول الذي ينبغي أن يكون محدوداً بطبيعة الحال. ووفق هذا التحديد التعريفي يمكن أن تكون "المقامة" أقرب الأنماط الأدبية التي تعتمد على القصّ أو الـحكي إلى القصة القصيرة/ الأقصوصة؛ لاعتمادها على حدث محدد مـتنام وشخصية واحدة حاسمة/ البطل أو الراوي، وحبكة دقيقة وزمان ومكان محددين، وإن خلت من التركيز والتكثيف لتبنّيها نمطا خاصا في البناء يقوم على البديع والشعر وفقا لطبيعة البيئة والظروف التي ولدت فيها بكل معطياتها الثقافية والفنية المتميزة، بصرف النظر عن نمطيه الحدث والشخصية والحبكة المتكررة فيها تبعا للغايات المتعددة التي أنشئت من أجلها المقامات كما هو معروف.
أما الحكاية أو الحدّوتة
فهي تختلف عن القصة القصيرة في تعدد الأحداث وتنوع الشخوص وتباين الأزمنة والأمكنة واتساعها اتساعا يخرجها عن إطار الأقصوصة وإن اتفقت معها في تقنياتها الفنية المتعددة: الحبكة والسرد والحوار والعقدة والحل، دون أن تكون الخرافة والأسطورة عاملا رئيسا في التفرقة بينهما. ولعل أهم ما يميز هذا النمط الأدبي الإبداعي أنه تسوده روح الشعب، وتشيع فيه أحلامه وآماله وطموحاته وآلامه وثقافاته، حتى يمكن أن يعدّ النمط الأدبي المعبر عن وجدان الشعب وروح الجماعة.
أما الخبر
فهو ضرب أدبي يقوم على القص والسرد للأحداث المتعددة دون عـناية بتصوير الأبعاد الفنية والاجتماعية وغيرها للشخصيات الفاعلة أو المحركة لها؛ وذلك لأن العناية منصبة على تطور الأحداث في المقام الأول دون اهتمام فني كذلك بالزمان والمكان وتحديد مقوماتها الشخصية، على نحو ما نجد في خبر "داحس والغبراء" و"البسوس" و"غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرها، والتي اتخذت صبغة الخبر التاريخي/ الحدث التاريخي.
أما الرواية القصيرة
فتقع في منزله وسط بين منزلتي القصة القصيرة والرواية الطويلة من حيث محدودية الأحداث والشخوص والأزمنة والأمكنة بصورة أكبر من نظائرها في الأقصوصة وأقل مما في الرواية الطويلة؛ ولعلها بذلك الاختصار والتركيز تدنو كثيرا من الحكاية/ الحدوتة أو الأقصوصة/ الفانتازيا..
وهنا نصل إلى الرواية الطويلة التي تقوم أساسا على تعدد الفصول والأحداث والشخوص والأزمنة والأمكنة التي تتضافر جميعها لتحقيق غايات فنية ومضامين اجتماعية وفكرية خاصة سعى إليها القاصّ أو الروائي بعناية بالغة. وقد شهدت الرواية الطويلة تطورا فنيّا واسعا واكب تطور أجهزة البثّ المرئي، خاصة عبر المسلسلات المحدودة وغير المحدودة أو المفتوحة (لـيالي الحلمية، مسلسلات شعوب أمريكا الوسطى واللاتينية وغيرها..) وهى روايات مفتوحة بلا نهاية، ولكنها قابلة للتحول إلى روايات طويلة محدودة واضحة النهاية.
والمسرحية تشرك الرواية الطويلة في أهم خصائصها الفنية فيما عدا الحوار الذي تقوم عليه المسرحية أساسا..أما الملحمة فهي إطار فني قصصي يستغل لسرد أحداث متعددة وشخوص متنوعة في أطر متنوعة وفسيحة من الزمان والمكان، ويتدخل فيها الخيال وتشيع فيها الخرافة والأسطورة، وتقوم على الشعر عند الأمم الأخرى كما في "الياذة" و"أوديسة" هوميروس الإغريقي و"انياد" فرجيل الروماني اللاتينى، و"مهابهاراتا" و"رامايانا" الهنود و"شاهنامة" الفردوسى الفارسى، و"كوميديا" دانتى الإيطالى، و"الفردوس الـضائعة" لملتون الإنجليزى وغيرها، في حين يقوم النوع الذي عرفه العرب منها على المزاوجة بين الشعر والنثر أو على النثر وحده كما في ملاحم "عنترة" و"الزير سالم" و"سيف بن ذى يزن" و"حمزة البهلوان" و"الأميرة ذات الهمة" و"الظاهر بيبرس" و"تغريبة بنى هلال" وغيرها، على ما بين الملحمة العربية والملحمة الأممية من اختلاف واسع غير محدود في التقنيات الفنية والمضامين الفكرية كما هو معروف.
ومن كل هذا تتبين لنا الخصائص الفنية للقصة القصيرة التي تتميز بها عن سائر الأنماط الأدبية الإبداعية المشابهة، وكلما دققنا وشددنا في تحديد تلك الخصائص والسمات الفنية، أمكننا التفريق بينها ونفي الأنماط الأدبية المتداخلة معها، سواء منها ما يقوم على القص والحبكة والحدث والشخوص والزمان والمكان، وما لا يقوم على شيء من ذلك مثل "العجالة" والخاطرة" و"المقال" وغيرها مما لا ينبغي أن يعدّ منها ألبتّة؛ وإذا ما التزمنا، وألزمنا الآخرين، بهذه المقاييس الفنية؛ استطعنا أن نتبين أولا صعوبة هذا الفن الأدبي الإبداعي، وثانيا قلة نماذجه وندرة مبدعيه!